الأحد، 7 ديسمبر 2008

على الكورنيش



استمرار لعرض المواضيع القديمة التي اجدها لم تأخذ حظا من المتابعة اعيد نشر موضوع عالكورنيش....موضوع محبب جدا إلى قلبي و كان بعيد نسبيا عن الرومانسيه الحالمه...
نشر هذا الموضوع في:- 13 مايو 2008
اترككم مع الحكاية.....

لكم أعشق الاسكندرية في الشتاء....أمقتها صيفا و هذا حق مشروع للجميع حيث الحر والزحام والمصطافين من كل صوب و قاع المجتمع حين يطفو فيصير سطحا....لكن في الشتاء الأمر يختلف....الاسكندرية في الشتاء تشعر بأنها ملك لك وحدك...تفتح ذراعيها لاستقبالك...تبتسم لك وتتجمل من أجلك...لكن أشد ما أعشقه في الاسكندرية شتاءا هو السير ليلا وحيدا على الكورنيش...أعشق التأمل وأهيم بالشرود وأتيم بالوحدة والصفاء الروحي....كانت الساعة تجاوزت العاشرة بقليل...كنت أسير منفردا على الكورنيش الساحر...في هذا الوقت من العام لا تجد الكثيرين في هذا المكان...الجو شديد البرودة لكني لا أهتم و أضم ياقة معطفي طلبا للدفء ....حينما يجتمع البرد و الضوء الخافت مع أصوات أمواج البحر المتلاطمة مع قليل من العناصر البشرية المبعثرة في كل صوب أشعر أن الكون قد تجمل و أن الزمان قد جرد أدواته ورسم لنا لوحة رائعة...لوحة اسمها الشجن....هكذا أحب السير وحيدا في هذا الوقت....أتأمل هذا و أحدث ذاك....هنا رأيت رجلا عجوزا أعتقد أنه تجاوز السبعين من العمر...كان مدثرا بمعطف رث قديم....ذهبت و جلست إلى جواره...قررت أن أتحدث معه في اي شئ....كبار السن دائما يحبوا الحديث في السياسة و يمزجوا بينها وبين واقع حياتهم المرير...قررت أن العب دور المثقف و أحدثه بلغة ما أقرأ...الناس دائما ما تنبهر بمن يتشدق بأغرب الألفاظ أمامهم....تحدث عن اللاوعي المتناهي المنبثق من الوجدان الجمعي و علاقته بارتفاع الأسعار و ستجدهم يصفقون لك ويمتدحوا عبقريتك...هكذا تجدني أتحدث مع العجوز في سياسة الحكم الحالي و أدمج حديثي ببعض قراءاتي....لكن هيهات....قد أبهرني الرجل فأسكت لساني....تفكير عقلاني و وعي منظم و آراء منطقية لم أرها في عتاة المثقفين ممن عرفت....هذا الرجل لا يؤمن بثقافة الكتب إنما بثقافة الحياة...تجاربك هي معلمك الأفضل فمنها و تعلم...هذا كان رأيه والذي عليه و أسير إلى الآن....كان حزينا ولكنه لم يفصح عن سبب حزنه...لكن من وراء حزنه كان يملك ابتسامة ودودة تشعر معها بالأمان...رغم قصر المدة التي جالسته فيها إلا انني أحببته حقا....حييته و تركته و واصلت جولتي...رأيت مجموعة من الشباب يمزحون و يتضاحكون بينهم شابا يحمل جيتارا يعزف عليه و يغني...عزفه ممتاز و صوته لا بأس به أبدا....هو واحد من أصحاب تلك المواهب التي ضل الحظ طريقه إليها فلم تستثمر وستندثر يوما....على الرغم من ضحكهم و غنائهم لكن الحزن كان مخيما على جلستهم جليا في عيونهم....واصلت تسكعي فرأيت فتاة ماجنة صاخبة....منظرها يدل على مهنتها دون إفصاح...نظرت في عينيها و نظرت في عيني...عيناها حزينة فعلا...شعرت بعينيها الجميلتين تقول:"لا تظن إنني سعيدة بذلك...لكنها الحاجة...نعم أعلم أنه لا شئ يبرر أبدا أن أغضب ربي و أن أفرط في أغلى شئ يملكه المرء و هو شرفه...لكن صدقني...أنت لا تعلم ما يقع على كاهلي من أعباء....أعباء أم أرملة مريضة وأخوة صغار جياع...انها الحاجة المجنونة التي تدفعك إلى تحطيم قيود المجتمع و تخطي حواجز التقاليد و هدم أسوار العفة...صدقني إنها الحاجة"....شعرت بدمعة حقيقية تترقرق في عينيها...لكنها لم تلبث أن ركبت في سيارة فارهة مع شاب وانطلقا إلى حيث أجهل....استكملت مسيرتي فشاهدت متسولة عجوز....أشفقت عليها و ساعدتها بما من الله عليها به...رغم طعنها في السن إلا أن عينيها كانت كعيون الأطفال...تلك العيون التي تحمل الحزن و الفرح في آن واحد....لا يمكن أن ترى هذا التعبير إلا في عين طفل...وفي ذهني دارت عجلة الأفكار...إمرأة عجوز دفعتها الحاجة إلى التسول, وفتاة شابة دفعتها الحاجة إلى الانحطاط....في قرارة نفسي لا أسامح أيا منهما...لكن ما الذي يصل بالفرد إلى مثل هذه الحالة؟لماذا يصل الفقر إلى أبشع صورة ممكنة بهذا القدر؟سؤال لا أملك إجابته...هكذا واصلت طريقي...رأيت شابا و فتاة يجلسان سويا و يتهامسان....واضح إنهما حبيبان...تلك النظرة الحالمة للغد و البسمة التي تشع املا تؤكد إنهما عاشقان....من المفترض أن أسعد لمرآهم لكني على العكس أصابني الهم....لا أعلم ما الذي طرأ علي؟...صرت ذو نظرة تشاؤميه بشكل غريب....لم أعد استمتع بشئ.... إذا ذهبت في رحلة تجدني حزينا لأنها يوما ستنتهي....إذا أكلت طعاما أحزن لأنه قريبا سينفذ....لم أعد استمتع باللحظة التي أعيشها....صرت اتوقع الأسوأ....الحب ينتهي بالفراق و النسيان...السعادة آخرها الحزن....والحياة نهايتها الموت....أكد لي أفكاري مشهد فتاة جميلة تجلس وحيدة تبكي و تكتب شيئا ما....عساها فارقت من تحب أو أي شئ آخر...المهم أنها حزينة....الحزن....الحزن هو السمة الغالبة في كل من تراهم على كورنيش الاسكندرية شتاءا....تركت كل ما رأيت ووقفت أتأمل البحر من بعيد....لا أعلم لماذا يعشق الناس البحر؟!!...البحر لا يذكرك سوى بآلامك و احزانك و جروحك و فراقك...مع اصوات صفير هواءه المندفع تشعر بصرخات روحك تدوي....مع ضربات أمواجه المتلاحقة لصخوره تشعر بطعنات قلبك تدمي...البحر بالنسبة للبشر ليس سوى مرآة لأسوأ ما مر بهم في حياتهم من جروح و أحزان....لا أحب البحر لكني أعشق الكورنيش....على الكورنيش ليلا تجد مجموعات و عناصر مختلفة من البشر لا يجمع بينهم سوى أحزان الأمس و مخاوف الغد...بالنسبة لي لا وجود لشئ اسمه الحاضر....الحاضر هو اللحظة التي نعيشها الآن فقط...اللحظة المنصرمة هي من الماضي و اللحظة القادمة هي المستقبل...
كورنيش الاسكندرية ليلا....حيث يجتمع الفرح و الحزن...حيث يلتقي الحب والجرح....حيث يتقابل النجاح و الفشل...حيث تصطدم الأحلام و الآمال بمخاوف الغد...
كورنيش الاسكندرية ليلا....حيث يعبر المرء عن أفراحه و حيث يشكو احزانه....
كورنيش الاسكندرية ليلا....حيث يتذكر المرء من يحب و يخفق قلبه بحبه وتدمي روحه من جرحه....
كورنيش الاسكندرية ليلا....حيث اعشق أن أسير وحيدا....
*********************
أرجو أن تنال أعجابكم.... و أعدكم بعودة قريبة إن شاء الله باالجديد من الموضوعات
احبكم في الله.....

هناك 7 تعليقات:

mohamed ghalia يقول...

الموضوع هايل
بس أنا جاى أعيد عليك
كل سنة وانت طيب حبيب قلبى
ربنا يسعدك دايما
فى حفظ الله

نـــــور يقول...

عندى كلام كتيييييييييير
اولا المشهد اللى بتحكى عنه انا بحبه جدا اللى هو الليل والبحر واضواء الكورنيش والوحده وكده رومانسيه اخر حاجه :)
انما انا بحب البحر بقى

الحاجه التانيه حكاية التصقيف لاى حد يبرطم بكلام احنا مش فتهمينه صح جدا جدا ودى ثقافه شعبنا الخايب ان اللى مايعرفش يقول عدس

وثالثا حكايه البنت اللى ركبت مع الشاب ده فكرتنى بفيلم رانديفو بتاع سميه الخشاب وانا دايما رأيى فى الموضوع ده ومش قسوه ولا حاجه انما انا شايفه انه لا مبرر للمعصيه والرزيله
يعنى الل مش عاوز يغلط مش هيغلط مهما كانت الدوافع

ورابعا كون ان نهايه السعاده دايما حزن فده قانون الطبيعه دايما ان الفرح اخر حزن والحزن بينتهى بفرح

وخامسا لو بصينا للحاضر دايما على انه ثانيه وهتعدى عمرنا ماهننجز حاجه انما احنا بنبقى محتاجين للمفوم د اوقات علشان نعدى احزاننا ونتجاوز محننا

تحياتى ليكدايما يارامى
بيعجبنى دايما فى قصصك انك بتجمع بين الاحساس الجامد وكمان الهدف المستخبى ورا الكلام

كل عيد وانت طيب وسعيد ياجميل :)

prince4ever يقول...

إلى محمد باشا غاليه
كل سنه وانت طيب يا معلم
والله واحشني موت و كويس اني اطمنت عليك
يا رب تكون مبسوط في العيد كده
دمت في رعاية الله يا صديقي العزيز

prince4ever يقول...

إلى حبيبه الحبوبه
ازيك يا حبيبه و كل سنه وانتي طيبه و يارب دايما في صحه و سعاده... و يارب الحزن و الاكتئاب يكونوا راحوا فعلا بحل جذري و بجراحه روحيه عاجله بعيدا عن المسكنات و الكلام اللي مبيجبش تمنه ده.....
بصي انا مش هتكلم عن تحليلك الرائع ده للحدوته... وانا سعيد جدا بالتحليل ده لأنه بيدل أنك بتتابعي باهتمام ربنا يباركلك يا رب... و والله مقدر اناقش التعليق ده.... لو انا حللت الموضوع مكنتش هحلله جامد كده...
البحر و الضلمه رومانيسه اخر حاجه... ههههههه...حلوه اخر حاجه دي... هتنتشر الكلمه دي جامد... رغم انها فعليا منتشره في القاهره من تلات قرون بس هي لسه واصله عندنا قريب... لأ متسألنيش انتي في الألفاظ المستحدثه دي... ده انا استاذ... الجديد كله عندي..
مبحبش البحر:( ... من غير سبب كده... يمكن عشان اخويا كان هيغرق مره فيه... مش عارف بس انا عشان اساسا مش رومانسي على الاطلاق فمبشفش فيه متعه من اي نوع... وكمان مبحبش انزله... مبعرفش اعوم:(
خامسا دي انا متفق فيها معاكي بشده...عندك حق اوي في الكلام ده...
عيد سعيد عليكي يا رب و كل سنه وانتي طيبه يا حبيبه يا عسوله اخر حاجه :)

اي خدمه :)

FreeKiller يقول...

أينعم انا عيدت هناك
بس اعيد هنا برضه
كل سنة و انت طيب يا رامي

و نكون السنة الجاية كده ف اجازة و عايشين من غير باطنة

Dr. Ibrahim يقول...

الحياة مدرسة والعقل والتفكير ماهما إلا تراكم خبرات سواء كانت من الكتب او من تجارب الحياة

ليس دائما ان تكون الإبتسامة دليل على السعادة...

انها الحاجة المجنونة التي تدفعك إلى تحطيم قيود المجتمع و تخطي حواجز التقاليد و هدم أسوار..

مقالك هذا خلاصة تجارب يا دكتور ..ربنا يكرمك

من اسى وحزن وحاجة وفقر ونظرة الى الغد وهل سيتحقق هذا الغد المنشود

وربنا يستر

تحياتى

د إبراهيم

العراف يقول...

بوست جميل وحكايه اجمل وانا اصلا بعشق اسكندريه فى جمالها واضوائها