الخميس، 1 مايو 2008

سفر



كنا أربعة...من مدن مختلفة التقينا...من بيئات متفاوتة تعارفنا...من مهن متفرقة اجتمعنا...اجتمعنا على الصداقة والود.
كنا أربعة...أصدقاء متحابين أكثر من الأخوة...نسهر سويا ونمرح معا... نتشارك الأحزان و نتبادل الأفراح.
كنا أربعة...أحمد و شريف و عمرو و أنا...كنا قد قررنا السفر بسيارة "عمرو" لقضاء بضعة أيام في إحدى المدن الساحلية البعيدة...فرصة لتغيير الأجواء و استعادة النشاط.
كنا أربعة...وانطلقنا بالسيارة ليلا...كل منا يحمل بداخله أحلامه و آماله... كذلك يحمل مخاوفه...مخاوفه من المستقبل المجهول...مخاوفه حتى من الطريق المظلم الموحش الممتد إلى مالا نهاية.
كنا أربعة...لكن الاطمئنان لم يكن خامسنا...
*****
انطلقنا ليلا في الطريق الصحراوي المظلم...أكاد أقسم أننا كنا وحدنا على الطريق...لا توجد سيارة سوانا...كان السؤال الدائر بأذهاننا هو ماذا سيحدث لو تعطلت بنا السيارة....لا سبيل للخلاص حتما...هكذا وفي محاولة لتبديد مخاوفنا...شرعنا نغني و نمزح و نتحدث و نضحك...لكن هيهات...قد كان الخوف ضيفنا...قد كان شريكنا الخامس في رحلتنا... وهو ضيف ثقيل وشريك قيادي يصعب تنحيته...هكذا هبطت موجة مرحنا كما ارتفعت...واستسلم كل منا لأفكاره...من ثم قرر "عمرو" أن يسلينا ويقصر علينا المسافة فترك العنان لأغاني "فيروز" الساحرة تنساب كأنغام الجنة...سرح كل منا مع صوتها العزب الشجي...شرعت أفكر في كل شئ بعيد عن مخاوفي من المجهول...فكرت في أهلي وفي أخي المسافر وفي دراستي...فكرت فيها هي...نعم فكرت في حبيبتي... استعدت لحظات الحب الرائعة معها...و اخترق جدار أفكاري صوت "فيروز" تشدو فتقول:"شايف البحر شو كبييييييير...كبر البحر بحبك...شايف السما شو بعيييييييد...بعد السما بحبك"....ابتسمت...قد أحببتها حقا كما تقول فيروز بنفس الكيفية تماما...أخذت استرجع أيام الحب والوفاق...لم أتوقف عن التفكير بها...كنت أحاول أن أركز أفكاري كلها في اللحظات السعيدة و الذكريات الحلوة...لكتي فشلت...تذكرت أيام النزاع و الخصام...تذكرت جرحي لقلبها و جرحها لقلبي...تذكرت لحظة الفراق الحزينة...لحظة الوداع الأليمة...عاودني صوت "فيروز" تقول :"زعلي طول أنا وياك...وسنين بقيت...بجرب فيهن أنا أنساااك...ما قدرت نسيت"...يالله...كم أنتي رائعة أيتها الفيروز...نعم قد طال خصامنا...طال ببعدنا الأمد...لكني لم استطع نسيانها...مازلت لتلك اللحظة أفكر بها...قد تكون تلك الرحلة نفسها هربا من نفسي و من تفكيري بها...أتساءل وقلبي يتمزق...هل مازالت تذكرني وتفكر بي مثلما أفعل؟...أم نسيتني و نسيت أيامي؟...من أين لي أن أعلم....أطلقت زفرة حارة من الأعماق...ثم أملت رأسي و غرقت في سبات عميق...
*****
لا أعرف كم من الوقت مر علي نائما...قد يكون ساعات وقد يكون لحظات...لا أعلم...لكني استيقظت بغتة على ضوضاء وصوت آله تنبيه مرتفع...نظرت حولي في سرعة وسمعت "فيروز" تشدو وتقول:"من زماااااااان... أنا و صغيرة....كان في صبي...آجي من الأحراش...العب أنا وياه....كان أسمه شادي"...نظرت أمامي فوجدت"عمرو" يتصبب عرقا و رأيت شاحنة عملاقة تتجه إلينا في ثبات مسرعة...صوت "فيروز" يدوي هادرا:"وعلقت عأطراف الوادي...شادي ركض يتفرج"...وجدت "عمرو"يصرخ...رأيت أحمد يبكي...وجدت "شريف"واضعا رأسه بين كفيه... حاولت أن أقول شيئا حكيما متعقلا ففشلت..."خفت وصرت أندهله وينك رايح يا شادي"...كفى يا "فيروز "بالله عليك...حاولت أن أنبه "عمرو" لشئ ما لكنه لم يستجب..."اندهله ما يسمعني...ويعدي بعرض الوادي"...صرخات من حناجرنا...نفير و أبواق التنبيه المزعجة....أضواء و صرخات و غناء...أضواء وصرخات و غناء... أضواء وصرخات و غناء....... ثم فجأة انتهى كل شئ...لا أعلم كم من الوقت غبت عن الوعي...لكني حينما استيقظت...وجدت حولي ظلاما دامسا وصمتا مطبق...وجدت نفسي راقدا على أرض الطريق غارقا وسط بركة من دمائي...وهكذا وجدت أصدقائي....أحسست بستارة كثيفة من الضباب تنسدل أمام عيني...ومن بين موتي و حياتي...ومن بين نومي و يقظتي...سمعت صوت "فيروز" الساحر يكمل:"من يومتها....ما عدت شفته...ضااااااااااع شااااااااااااااااااااااادي"....ولم أسمع شيئا بعدها قط....وللأبد....

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

احساسك عالي أوي والله العظيم
بجد ربنا يوفقك
كلامك اكيد طالع من القلب لانه بيوصل للقلب واللي بيقراه بيحس بيه

غير معرف يقول...

ba2a de a7'ret el 7'rog ma3ak ya ramy... mawteny ....bas eh ra2yak...shofteny wanna mayet...aganen sa7?...
neeset tekol ennena kona 3alla tark dahab 3arabiah lancer 2006 mallaky dk nemretha 16162....bas 2olly sa7eh ana men fe dwl?!!!!

غير معرف يقول...

ramy ...by exclusion i found out that iam .......... ya ragel ba2a de a7'retha.