الخميس، 8 مايو 2008

في القطار


القطار المتجه إلى الاسكندرية ينهب الطريق بلا رحمة...أنا لا أحب الاسكندرية...الكل يعشق تلك المدينة الساحلية الساحرة...لكني أكرهها... لا أدري لذلك سببا لكن كل ذكرياتي بها سيئة مما حدى بي أن أكرهها...هكذا تجدني جالسا في إحدى عربات القطار متململا أرجو أن تنتهي تلك الرحلة البغيضة على خير...كنت مضطرا لها فهي كانت رحلة عمل و ليست ترفيه...هكذا وفي محاولة لقتل الوقت والملل شرعت في قراءة الصحيفة...لحظات و مللت فطويت الصحيفة وطفقت أتأمل من حولي...بالمناسبة هي كانت أول مرة لي أسافر فيها بالقطار لذا تجدني غير معتادا على الأجواء....لذا رحت أتأمل من حولي...لم يكن هناك جارا في المقعد المجاور لي...لكن كان هناك شخصين في المقعد المقابل...رجل و إمرأة...رجل في أوائل العقد الرابع من العمر...متوسط الطول...قوي البنية...لا يحمل وجهه وسامة ملحوظة لكنه مقبول الشكل...كان رجلا وهذا يكفي....أما المرأة فكانت في اعتقادي في نهايات العقد الثالث من عمرها...متوسطة الجمال...لا تنبهر بجمالها لكنه جمال هادئ مريح للعين...لا يفتنك لكنك تحب النظر إلى وجهها...شخصين عاديين تماما واضح جدا انهما زوجين...حاستي قالت لي أنهما ليسا على ما يرام...لم يتحدثا قط...لم يتبادلا كلمة واحدة.... كل منهما ينظر في الاتجاه المعاكس للآخر... أخذت أرقبهما قليلا ثم أصابني الملل لهذا السكون فأطلقت العنان لشرودي....بعد لحظات نهض الزوج لأمر ما و غادر المكان...لم آبه و لم أهتم....عدت إلى شرودي لكن قاطعني صوت الزوجة قائلة:"عادل لم يعد كما كان...لم يعد زوجي الذي احببته....أشعر أنني لا أعرفه....قد صار شخصا آخر"...تعجبت بشدة فلم أكن أدري لماذا تخبرني هذا الكلام....لكنها واصلت حديثها في شرود قائلة:"تزوجنا منذ ثلاث سنوات...كنا زوجين سعيدين...يحسدهما الناس على سعادتهما...تزوجنا عن حب...كنا عصفورين متحابين...لكن فجأة دبت الخلافات بيننا...عادل شارد الزهن باستمرار وعندما أحدثه في أمر ما يثور لأتفه سبب...بدأ يتشاغل عني...لم يعد يهتم بي مطلقا...كرس كل حياته لأصدقائه و نزهاته معهم....حاولت تعديل مسار حياتنا بإنجاب طفل لكنه رفض و اعترض معللا بأنه في بداية الطريق و الظروف لا تسمح و لا يزل أمامه الوقت لبناء مستقبله وهراء من هذا القبيل...لم أعد احتمل ذلك...حياتي لم تعتد تحتمل"....صمتت لحظات ثم قالت:"آسفة صدعت رأسك...لكني كنت بحاجة للتنفيس عما بداخلي فقد خنقني اليأس"... قلت لها:"لا عليك...مهتني أساسا أن انصت إلى الآخرين وأن استمع إلى مشاكلهم"...سألتني في لهفة:"هل أنت باحث اجتماعي أم محلل نفسي؟"...قلت لها:"لا هذا ولا ذاك...أنا طبيب"...منحتني ابتسامة لا معنى لها...من ثم بادرتها قائلا:"قلتي أن لكي ثلاث سنوات متزوجة... ألا تعتقدي أنها فترة غير كافية للحكم على العلاقة وتقرير مصيرها بالانفصال...كما أعتقد أن كثيرا من الأزواج يمرون بتلك المرحلة بفعل الملل والروتين والظروف الاجتماعية....اعتقد ان تغيير الأجواء قد يناسبكما"...ابتسمت في حزن:"انت لا تعلم...لقد دبت الخلافات بيننا بعد شهر زواجنا الثاني...صار إنسانا لا يحتمل...نعم تزوجنا عن حب...لكن الحب أيضا يموت...قد اتخذت قراري بالانفصال".....هنا عاد الزوج إلى مقعده فنظرت الزوجة إلى الاتجاه الآخر...لا أعلم لماذا صرت أمقت هذا الرجل...رجل قاسي لا يهتم بزوجته و يعاملها سيئا هو رجل لا يحتمل...كنت طوال عمري انحاز للطرف الأضعف...لحظات و نهضت الزوجة فعدت إلى شرودي لكن قاطعني صوت الزوج قائلا:" نجلاء لم تعد كما كانت...لم تعد زوجتي التي احببتها....أشعر أنني لا أعرفها....قد صارت شخصا آخر"....اندهشت بشدة...ما هذا الذي يحدث.... لكنه واصل حديثه في شرود قائلا:"تزوجنا منذ ثلاث سنوات...كنا زوجين سعيدين...يحسدهما الناس على سعادتهما...تزوجنا عن حب...كنا عصفورين متحابين...لكن فجأة دبت الخلافات بيننا...نجلاء شاردة الزهن باستمرار وعندما أحدثها في أمر ما تثور لأتفه سبب...بدأت تتشاغل عني...لم تعد تهتم بي مطلقا...كرست كل حياتها لصديقتها و نزهاتها معهن....حاولت تعديل مسار حياتنا بإنجاب طفل لكنها رفضت و اعترضت بحجة انها غير مستعدة بعد لتحمل مسؤولية طفل كما إنها تريد أن تحافظ على جمالها و رشاقتها وهراء من هذا القبيل...لم أعد احتمل ذلك...حياتي لم تعتد تحتمل"... صمت لحظات ثم قال:"آسف صدعت رأسك...لكني كنت بحاجة للتنفيس عما بداخلي فقد خنقني اليأس"... قلت له:"لا عليك...مهتني أساسا أن انصت إلى الآخرين و أن استمع إلى مشاكلهم"...سألني في لهفة:"هل أنت باحث اجتماعي أم محلل نفسي؟"...قلت له:"لا هذا ولا ذاك...أنا طبيب"...منحني ابتسامة لا معنى لها...من ثم بادرته قائلا:"قلت أن لك ثلاث سنوات متزوج... ألا تعتقد أنها فترة غير كافية للحكم على العلاقة وتقرير مصيرها بالانفصال...كما أعتقد أن كثيرا من الأزواج يمرون بتلك المرحلة بفعل الملل والروتين والظروف الاجتماعية....اعتقد ان تغيير الأجواء قد يناسبكما"...ابتسم في حزن:"انت لا تعلم...لقد دبت الخلافات بيننا بعد شهر زواجنا الثاني...صارت إنسانة لا تحتمل...نعم تزوجنا عن حب...لكن الحب أيضا يموت...قد اتخذت قراري بالانفصال"....هنا عادت الزوجة وعاد كل منهما إلى وضعية الاتجاه المعاكس السابقة....طبعا اختلطت على ذهني الأمور....راقبتهما لعلي استشف الحقيقة من أعينهما...لكني فشلت...وحينما توقف القطار في إحدى المحطات نهضا و نزلا من القطار دون كلمة تحية واحدة لشخصي و خرجا و كانهما لا يعرفاني و لم يبوحا لي بأدق أسرارهما منذ لحظات...ومع تحرك القطار أخذت أفكر...ترى من صادق ومن كاذب...من على حق ومن على باطل...كم انت صعب أيها القضاء!!!...كيف يصدر القاضي حكمه القاطع في ظل تضارب الأقوال و تناقضها...لكني تعلمت...علمتني التجربة شيئا جديدا...علمتني ألا أحكم في قضية من طرف واحد دون سماع كل الأطراف...علمتني أن آخذ بوجهات النظر... علمتني أن للحقيقة دائما أبعاد أخرى....وعلمتني أيضا انني حينما أسافر إلى الاسكندرية...لا أركب أبدا القطار....

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

حلو قوىىىىىىى بس برضة معرفناش فى رايك مين الغلطان هو ولا هيا

prince4ever يقول...

اولا نورتني يا برنس-او يا برنسيس-وميرسي جدا على تشريفك ليا
ثانيا دي اساسا الفكره من الحدوته كلها...صعوبة القضاء والحكم واحيانا استحالته في ظل ان كل واحد حاسس انه هو المجني عليه...والنهايه مفتوحه بس مش متروكه للقارئ انه يقرر لان اساسا المعطيات المتاحه مش كفايه انك تخرج منها بنتيجه...والفكره كلها مطروحه فاخر الموضوع...و ممكن لا يكون لا هو ولا هي غلطانين...يمكن انا اللي اكون غلطان...حد ليه عندنا حاجه..

nouran يقول...

اولا دى بجد اول موضوع اقرأه فى البلوج واضحك بجد
الاتنين نفس الكلام مش معقولة للدرجة دى متفقين عندى احساس انهم بيشتغلوك مش عارفة ليه لاؤك قاعد زهقان قالوا يسلوك
جميل الموضوع

لك تحياتى

prince4ever يقول...

تحياتي تاني يا نوران واشكرك بجد على الجوله الحلوه دي في البلوج... هههههههه كانوا بيشتغلوني اه.... هي الفكره ايه...ان الواحد ميعرفش يحكم على موقف من غير ما يسمع كل الاطراف... انما الفكره بقى من ان الجوز يقولوا نفس الكلام... فده بقى لغرض في نفس يعقوب...
تحياتي و خليكي معانا على طول