الأحد، 4 مايو 2008

لحظة شرود





رأيتها...جميلة...ينساب شعرها الأسود خلف ظهرها كأسدال الحرير...عيونها السوداوين جميلتين كعيون المها... رقيقة كالطيف... جذبت قلبي لمجرد مرآها...وقفت أراقبها... وجدتها تصعد بعضا من درجات السلم المؤدي إلى مدخل المبنى المواجه لمكان عملي...ثم وجدتها تجلس على إحدى الدرجات...ملابسها بسيطة فعلا لكنها نظيفة... ورغم بساطتها إلا أنها زادت تلك الحورية جمالا و حسنا...لكن بغض النظر عن جمالها...ما جذبني إليها شئ آخر...جذبني إليها مسحة الحزن التي ارتسمت على وجهها...نظرة الألم التي تطل من عينيها...شدت انتباهي فأخذت اتابعها...وجدتها تمسك كتابا و شرعت في القراءة به...لا أدري لماذا أحسست أنها شاردة الذهن و لا تقرأ شيئا...لو أن عيني مكان عينيها لقلت أن السطور تنساب أمامها كالنهر و تتساقط الكلمات منها... أعتقد أنها لا تقرأ أنما تحاول تشتيت تفكيرها عن أمر ما...ثم رأيتها تغلق الكتاب وتنحيه جنبا فتأكد ظني...ثم وجدتها تخرج من حقيبتها لفافة بها شطيرة ثم شرعت تأكل...شعرت بها تمضغ في شرود ولا تزدرد شيئا مما تأكله...أعتقد أنها تمارس المضغ كعملية مستقلة تجعلها تهرب من أفكارها...ثم قامت بتكوير ما تبقى من الشطيرة في اللفافة و أعادتها إلى حقيبتها...أخذت أتساءل ترى ما سر هذا الملاك؟...رأيتها تعتدل في جلستها ثم وضعت خدها على كفها و نظرت إلى السماء و سرحت...خفق قلبي في عنف...قد ذكرتني حركاتها تلك بحبيبتي التي فرق بيني وبينها القدر...استمرت تلك الحورية في شرودها لحظات...ثم وجدت دموعها تنساب على وجنتيها الرقيقتين....هنا لم أعد احتمل...قررت المغامرة...وجدتني اتجه إليها و مددت يدي إليها مانحا إياها منديلا لتجفف دموعها...نظرت إلى مندهشة لحظة ثم أخذت المنديل شاكرة...لا أعلم ما الذي ألجم لساني و منعني من الكلام...لذا استدرت و اتخذت قراري بالرحيل لكنها استوقفتني....وبعينين حزينتين نظرت إلي وقالت بصوت جدير بهذا الملاك:"طبعا تريد معرفة سبب شرودي و بكائي؟"...لم أرد...أي كذبة لن تجدي...عيناي ستفضحني... وجدتها تقول:"لماذا لا تخمن أنت؟"....قلت لها في حذر:"لا أدري...قد تكوني لا قدر الله فقدت أحدا من أهلك او أحبابك...أو علكي خسرتي وظيفة أو أخفقتي في اختبار....و احتمال أن تكوني افترقتي عن حبيبك أو اكتشفتي خيانته....أو خدعك صديق لك"....ابتسمت ابتسامة شخص يرى تلك الأمور تفاهات وقالت:"أهذه كل أسباب الحزن والدموع في نظرك؟"...أجبت:"نعم....ولا أري شيئا آخر يستحق البكاء عليه...فقدان الأهل و الحبيب هي أقسى الآلام على النفس"...هنا بكت تلك الغيداء بكاء حارقا....ومن بين دموعها الغزيرة قالت:"أتعتقد أن معرفة خبر مرضك الخطير و رحيلك الداني عن الدنيا أمر هين لا يستحق البكاء؟!!"...سكت من الصدمة...بهت الذي كفر...صمت لحظات ثم قلت:"إذن...هل تبكين لأنك مفارقة أهلك ومن تحبين؟"...ردت من بين دموعها:"لا...بل أبكي فراقي الدنيا...أهلي بعيدون عني...و ليس لي صديق...ولا حبيب أبكيه و يبكي علي....لكني لا أرغب في الموت"....سكت و سألت نفسي لماذا تتمسك بحياة لا تتمسك بها....لا أهل و لا أحباء...إذن لماذا تحب الحياة و تخشى تركها...حينما نقلت إليها خواطري نظرت إلى في ازدراء و قالت في حدة:"أنت لا تعرف ما أشعر به...لا يمكنك فهم هذا الشعور"....آثرت إنهاء المناقشة والرحيل دون استثارة غضبها...لكنها قبل رحيلي اعتذرت إلي وشكرتني ثم قالت:"صدقني...أنت لا تعرف هذا الشعور"
*****
تركتها ورحلت...فكرت في كلامها...رغم إنني أحسن منها حالا و ظروفا ولي أهل و أحباء وحبيبة رغم فراقنا مازلت احتفظ بحبي لها و كذلك هي...إلا أنني لا أتمسك بالحياة مثلها ولا اشتهيها...أعتقد أن تمسكها بالحياة نوع من الضعف البشري و حب الذات لا أكثر...الحمد لله إنني قوي النفس صحيح القلب.
*****
بعد ثلاثة أشهر...كنت جالسا على إحدى درجات السلم المؤدي إلى مدخل المبنى المواجه لمكان عملي...أمسكت بكتاب قرأت فيه قليلا لكن تفكيري منعني من الفهم فعزفت عنه...ثم أمسكت بلفافة بها شطيرة شرعت التهمها في شرود...شردت بذهني لحظات أفكر...حزن شديد أشعر به و وحدة قاتلة أسالت الدمع من عيني...ثم فجأة وجدت أمامي يدا تقدم إلي منديلا فنظرت فإذا هي تلك الغيداء المنتظرة النهاية...رأيتها أجمل مما سبق...ووجدت على ثغرها ابتسامة شاحبة قبل أن تقول:"اعتقد إنك أخيرا عرفت ذلك الشعور".....

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

كلام حلو أوي
بس عارف أحلي حاجه فيه ايه
أن الواحد ميفهمش الفكره غير لما يوصل للنهايه كنوع من التشويق يعني
طرقتك في العرض هايله
بس ماتقولش كدا عن نفسك ربنا يديلك طول العمر

غير معرف يقول...

متشكر جدا يا توأم الصمت يا مظبطني-مظبطاني-مين يعرف...ميرسي على رايك ده وبصراحه اسلوب التشويق او الsuspenseده مش سهل لانه بيعتمد على مزج فكرتين او اكتر مع بعض وبيعتمد على توجيه فكر القارئ لفكره معينه طول الحدوته عشان يلاقي فكره تانيه في الاخر وكمان في الاخر يستخلص فكره او رساله معينه ممكن متكونش مكتوبه صراحة في الموضوع بس ده دور القارئ بقى انه يجيبها لوحده....ميرسي كمان مره على تشريفك يا برنس-يا قمر-مين عارف....ههههههههه بس انا عارف...هههههههه ومتقطعش-متقطعيش- زياراتك.... و ميرسي لكل واحد شرفني فالبلوج ده زي راجي حبيب قلبي و ساره اللي مطلعتش ساره وغيرهم...متقلقوش لو اتاخرت في رد او فالنشر محدش عارف الظروف برده....قشطه

prince4ever يقول...

لا مؤاخذه بس لازم اوضح...مش معنى اني بقول ان اسلوب الsuspense مش سهل يعني قصدي ان محترف يعني واد جامد...بالعكس انا قصدي انه صعب و مش فمقدرتي اني اكتب منه كتير ..دي بتبقى حسب الوحي والالهام وكرم ربنا...بس كده

رزان يقول...

السلام عليكم
كلام جمييييل قوووى
وبصراحة انا نفسى استفدت منه
ان فعلا الواحد مبيحسش بشعور اى موقف
غير لما يكون فيه .انتظر مزيدك

nouran يقول...

السلام عليكم
تحياتى ليك على كل كلمة كتبتها بجد اسلوبك رائع كلماتك بتوصف الموقف
بتوصل الفكرة بسهولة
وفعلا ما حدش يقدر يحس بحد الا لما يكون فى نفس الموقف
تقبل مرورى

سلام

prince4ever يقول...

ازيك يا نوران...بقولك ايه مش قادر ارد تعبت مالكتابه...هههههههه...متشكر مووت على رايك الجميل ده...مش هقولك بقى ابقى زوري البلوج دايما ولا خليكي معايا على طول ولا انتي زبونه اصيله ...عشان انا مبعتبركيش زبونه ..انتي صاحبة مكان...
ربنا يديم المعروف...و تصبحي على خير

Unknown يقول...

جميل جدا