الثلاثاء، 8 أبريل 2008

طعنة



في حياة صاحبنا القصيرة....جروح وطعنات وآلام وقسوة و و و و...... هو شخص كغيره من الأشخاص..... أحب وصادق وتعرف و تعلم وعلم وعاش وسيموت يوما كغيره من الناس..... لكن الزمن قد كتب عليه أن يعيش جريحا حزينا..... فهل كتب عليه أن يموت كذلك.... دعونا نسمع قصة صاحبنا ونر كيف أن الزمن لم يكن به رحيما وكيف صار صاحبنا للحزن نديما أترككم مع قصته.....
الطعنة الأولى:- كان صاحبنا لايزال طفلا.... كغيره من الأطفال يلهو ويلعب ويمرح ويخطئ ويعاقب....لكنه فوق ذلك كله....كان يحب.... نعم صاحبنا وهو بعد طفلا كان يحمل قلبا ناضجا.... كان يحمل قلب ررجل ووجد فيها الحب......كانت تسكن في شارع مجاور لشارعه......طفلة مثله..... تلهو وتلعب وتمرح وتخطئ وتعاقب......لكنه كان يحبها.... يعشقها..... كانت رقيقة كالنسمة , جميلة كالحلم , خفيفة كالطيف , عطرة كالياسمين.... لا يراها إلا ويخفق قلبه بعنف.....يشعر بروحه تسحب من جسده...... يتذكر ذات مرة كيف أن رؤياها كادت ان تودي بحياته حينما رآها من بعيد قادمة فتسمر في مكانه حتى كادت أن تطيح به سيارة مسرعة..... أحبها في صمت ولم يعرف كيف يعبر لها عن حبه....حتى عندما أتيحت له الفرصة .... أضاعها بغباء يحسد عليه.... قرر بداخله أن ينتظر.... سيأتي يوما يكبرا فيه سويا فيحدثها.... فيعترف لها بحبه.....لكن جاءت الصدمة....لقد رحلت فتاته....انتقلت هي وأهلها من مسكنهم......من ذلك الحين..... لم يعرف لها طريقا.... لم يسمع عنها حرفا.... لم ير لها طيفا..... تلقى قلبه أول طعنة أدمته..... لقد رحلت فتاته.....لكن معها لم يرحل الحب.
الطعنة الثانية:- كبر صاحبنا.... صار على أعتاب المراهقة....ونسي كل شئ عن فتاته (أو هكذا اعتقد) وعاش حياته كأي مراهق آخر فانطلق بحثا عن الرجولة وإثبات الذات..... صراع, عراك , تمرد , حب.... كل سمات المراهقة المعروفة عاشها بالكامل..... لكن الحب.... لشدة ماعانى منه... لقد أحب فتاة جميلة , ذكية , مرحة......فتاة خلقت لتكون جديرة بالحب..... كان ينتهز الفرصة ليختلس نظرة إليها ...... وكان يعلم انها تبادله النظرات..... اذن ما المشكلة؟!!!...... المشكلة أن صديق عمره كان غارقا حتى الأذنين في حب تلك الفتاة...... وقد اعترف له بذلك في لحظة صفاء...... قرر صاحبنا أن ينساها تماما.... كان معروفا بالتضحية..... لكن أي صراع عاشه بين حبه لتلك الفتاة وبين إخلاصه لصديق عمره....كبر الثلاثة سويا.... تزوجت الفتاة.....ضاع حلم الصديقين....طعنة تلقاها قلبين..... نجا قلبه لكن قلب صديقه قد مات.
الطعنة الثالثة:-قال له الطبيب بعد فحص الأشعة:" لقد ولدت بعيب خلقي في القلب" .... نظر صاحبنا إليه في ثبات وقال " ما المشكلة .... لقد عشت عشرين ربيعا بهذا القلب, لا ضرر سوى الم ووخز متكرر" .... نظر له الطبيب مليا ثم قال" لا مشكلة في أن تمارس حياتك العادية بصورة طبيعية جدا" ثم صمت برهة قبل أن يردف في صوت حزين خافت متردد " لكنك يابني لن تعيش طويلا..... قد فات أوان العلاج"...... أي صدمة قد تحدث لشخص يسمع تلك الكلمات.... أي صدمة قد يتلقاها شخص يعلم أن حياته على المحك..... لكن صاحبنا كان ثابت الجنان قوي الروح....... يؤمن بأن هذا قضاء الله وقدره..... تلقى الخبر في شجاعة تامه وجعله سره الخاص..... أخفاه عن الجميع حتى عن أهله..... لم يخبر به صديقا او حبيبا.....قرر أن يواجه مصيره وحده دون أن يقلق أحدا.... لكم يكره نظرات الشفقة في العيون..... كانت طعنة قوية.....لكنه تلقاها ببسالة.....فلم تؤلمه......الطعنة التي لاتقصم ظهرك...... تقويه......كان يؤمن بذلك جيدا.
الطعنة الرابعة:- كان صاحبنا طيب القلب..... أحب البشر فأحبوه..... لديه أصدقاء وأحباء وزملاء وأيضا لديه أعداء كغيره من الناس..... لكنه في حياته لم يحب مثل هذا الصديق......كانا لا يفترقان...... يأكلان سويا, يخرجان سويا,يمرحان سويا,يفرحان سويا,يحزنان سويا, يضحكان سويا, ويبكيان سويا........ كان يحتفظ لديه بسره....أي سر في حياته لم يخبر به أحدا سواه.....أحبه بعمق.... أخلص له بجنون.... وثق فيه بشدة..... ثم كانت لحظة الحقيقة.....أخبره أحدهم ان يأخذ حذره من هذا الصديق اللدود...... وعلم انه يذيع كل أسراره.....علم أنه يحقد عليه ويكرهه ويتمنى له الأسوأ...... تلك الطعنة آلمته بحق....لقد جاءت من الخلف ومن حيث لا يتوقع.... لا نبالغ لو قلنا أنها طعنته طعنا..... أدمت قلبه فعلا.... فقد ثقته في الجميع..... شعر بشعور "يوليوس قيصر" حينما طعنه صديق عمره "بروتس" قبل أن يسقط صريعا تحت أقدام تمثال"بومبي".
الطعنة الخامسة:- اخيرا عاش صاحبنا قصة حب...... فتاة أحبها وأحبته.... اخلص لها.... حلم بأن يبق معها للأبد.... ضحى كثيرا من أجلها.... ضحي باحلامه وآماله وطموحاته فقط ليعيش عمره معها.... لم يجرحها قط.... عاملها كملاك رقيق... زهره هشة يخشي عليها من التلف....فكان أن اخلصت له حقا.... كانت مثالا للوفاء في حبها له..... قررت ان تكافئه على كل مايفعله من أجلها.... فأحبت شخصا غيره...... وصارحته بهذا ولم تجد حرجا...... اي جرح عاشه صاحبنا..... اي أهانة تحملها ..... لم تكتف بطعنة واحدة لقلبه.... بل سددت له الطعنة تلو الأخرى....لم يقاوم وكان يضمر شئ في نفسه...... تركه تتطعنه حتى كان له ما أراد..... مات قلبه..... فمات الحب.
تلك قصة صاحبنا.... عرفت كل ذلك بقلبي..... نعم.... فقلبي صديق حميم لقلب صاحبي.... وقد قرر ان يزوره وهو على فراش الموت..... هاله في أول الامر الجروح التي رآها..... وحزن على صديقه القلب الجريح... لكن وجد صديقه سعيدا منتشيا..... فاستعجب قلبي..... ثم علم الحقيقة..... عرف ان قلبا انثويا قد عرف الطريق الي صديقه القلب.... انعشه قبل موت محقق..... ويعمل على مداواة جروحه..... تركه قلبي سعيدا..... تركه ليعود إلى همومه وأحزانه..... في انتظار قلب يداويه.... أو طعنة اخرى تميته..... لكنها لن تكون مجرد طعنة.... ستكون آخر طعنة

ليست هناك تعليقات: